Book: Dalail an-Nubuwwah by Bayhaqi

باب ما جاء في همه بأن يكتب لأصحابه كتابا حين اشتد به الوجع يوم الخميس، ثم بدا له اعتمادا على ما وعده الله - تعالى - من حفظ دينه، وإظهار أمره [صلى الله عليه وسلم]

Chapter: Chapter: What came about his concern to write a document for his companions when the pain became intense on a Thursday, then reliance upon what Allah - the Exalted - promised him about preserving his religion, and glorifying his matter [Peace Be Upon Him].

Volume: 7 (Page:181)

English:

Arabic:

بَابُ مَا جَاءَ فِي هَمِّهِ بِأَنْ يَكْتُبَ لِأَصْحَابِهِ كِتَابًا حِينَ اشْتَدَّ بِهِ الْوَجَعُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا وَعَدَهُ اللهُ- تَعَالَى- مِنْ حِفْظِ دِينِهِ، وَإِظْهَارِ أَمْرِهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ][ (١) ]حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ:سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنِ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: (ح) : وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ يَذْكُرُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمَ الْخَمِيسِ.. وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى. قَالَ: قُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ، قَالَ [ (٢) ] : اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَجَعُهُ قَالَ: ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا.قَالَ: فَتَنَازَعُوا- وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ [ (٣) ]- فَقَالُوا مَا شَأْنُهُ؟ أَهَجَرَ، اسْتَفْهِمُوهُ. قَالَ: فَذَهَبُوا يُعِيدُونَ عَلَيْهِ. قَالَ: دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مما[ (١) ] من (ح) فقط.[ (٢) ] في (ف) : «ثم بكى وقال» .[ (٣) ] في البخاري: «نزاع» .

Volume: 7 (Page:182)

English:

Arabic:

تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [ (٤) ] . قَالَ: وَأَوْصَاهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ فَقَالَ:أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ [ (٥) ] ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ [ (٦) ] بِنَحْوٍ مِمَّا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ. قَالَ: وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ. أَوْ قَالَهَا، فَنَسِيتُهَا [ (٧) ] . هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَهُوَ أَتَمُّ زَادَ عَلِيٌّ: قَالَ سُفْيَانُ إِنَّمَا زَعَمُوا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهَا اسْتِخْلَافَ أَبِي بَكْرٍ.رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ عَنْ سفيان[ (٨) ] .[ (٤) ] (الذي أنا فيه خير) : معناه: دعوني من النزاع واللفظ الذي شرعتم فيه، فالذي أنا فيه من مراقبة الله تعالى والتأهب للقائه، والفكر في ذلك ونحوه أفضل مما أنتم فيه.[ (٥) ] (جزيرة العرب) قال أبو عبيد: قال الأصمعي: جزيرة العرب ما بين أقصى عدن اليمن إلى ريف العراق في الطول وأما في العرض فمن جدة وما والاها إلى أطراف الشام. وقال أبو عبيدة: هي ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول، وأما في العرض فما بين رمل ببرين الى منقطع السماوة. قالوا: وسميت جزيرة لإحاطة البحار بها من نواحيها وانقطاعها عن المياه العظيمة. وأصل الجزر، في اللغة، القطع. وأضيفت إلى العرب لأنها الأرض التي كانت بأيديهم قبل الإسلام وديارهم التي هي أوطانهم وأوطان أسلافهم.[ (٦) ] (وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) قال العلماء: هذا أمر منه صلّى الله عليه وسلم بإجازة الوفود وضيافتهم وإكرامهم تطييبا لنفوسهم وترغيبا لغيرهم من المؤلفة قلوبهم ونحوهم، وإعانة لهم على سفرهم.[ (٧) ] (وسكت عن الثالثة، أو قالها فأنسيتها) الساكت هو ابن عباس والناسي هو سعيد بن جبير، قال المهلب: الثالثة هي تجهيز جيش أسامة رضي الله عنه.[ (٨) ] أخرجه البخاري في: ٦٤- كتاب المغازي (٨٣) باب مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلم ووفاته، الحديث (٤٤٣١) ، فتح الباري (٨: ١٣٢) .وأخرجه مسلم في: ٢٥- كتاب الوصية، (٥) باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصى فيه.الحديث (٢٠) ، ص (٣: ١٢٥٧) .قال النووي: (فقال ائتوني أكتب لكم كتابا..) أعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلم معصوم من الكذب، ومن تغيير شيء من الأحكام الشرعية في حال صحته وحال مرضه. ومعصوم من ترك بيان ما أمر ببيانه وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه. وليس معصوما من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها، مما لا نقص فيه لمنزلته، ولا فساد لما تمهد من شريعته. وقد سحر صلّى الله عليه وسلم حتى صار يخيل إليه أنه فعل

Volume: 7 (Page:183)

English:

Arabic:

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا، فَقَالَ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قد غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ القرآن، حسبنا كتاب[ () ] الشيء ولم يكن فعله. ولم يصدر منه صلى الله عليه وسلم في هذا الحال كلام في الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام التي قررها. فإذا علمت ما ذكرناه فقد اختلف العلماء في الكتاب الذي همّ النبي صلى الله عليه وسلم به فقيل: أراد أن ينص على الخلافة في إنسان معين لئلا يقع فيه نزاع وفتن وقيل: أراد كتابا يبين فيه مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع فيها ويحصل الإنفاق على المنصوص عليه. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم همّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة. أو أوحى إليه بذلك ثم ظهر أن المصلحة تركه. أو أوحى إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول. وأما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمرو فضائله ودقيق نظره. لأنه خشي أن يكتب صلّى الله عليه وسلم أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها. فقال عمر: حسبنا كتاب الله، لقوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء، وقوله: اليوم أكملت لكم دينكم، فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة. وأراد الترفيه على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه.قال الحطابي: ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحال. لكنه لما رأى ما غلب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الوجع وقرب الوفاة، مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقول المريض مما لا عزيمة فيه، فيجد المنافقون بذلك سبيلا الى الكلام في الدين، وقد كان أصحابه صلّى الله عليه وسلم يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها.بتحتيم، كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف، وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش فأما إذا أمر النبي صلّى الله عليه وسلم بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه فيه أحد منهم وقال القاضي عياض: قوله:أهجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، هكذا هو في صحيح مسلم وغيره: أهجر؟ على الاستفهام وهو أصح من رواية من روى: هجر يهجر: لأن هذا كله لا يصح منه صلّى الله عليه وسلم لأن معنى هجر هذي. وإنما جاء هذا من قائله استفهاما للإنكار على من قال: لا تكتبوا أي لا تتركوا أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتجعلوه كأمر من هجر في كلامه لأنه صلّى الله عليه وسلم لا يهجر. وقول عمر رضي الله عنه: حسبنا كتاب الله، ردّ على من نازعه، لا على أمر النبي صلّى الله عليه وسلم.

Volume: 7 (Page:184)

English:

Arabic:

اللهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمُ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: قُومُوا.قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ، كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ، وَلَغَطِهِمْ.رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ.عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَغَيْرِهِ. عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (٩) ] .وَإِنَّمَا قَصَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) بِمَا قَالَ التَّخْفِيفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ، قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَلَوْ كَانَ مَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ شَيْئًا مَفْرُوضًا، لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ. لَمْ يَتْرُكْهُ بِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ «بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» [ (١٠) ] كَمَا لَمْ يَتْرُكْ تَبْلِيغَ غَيْرِهِ بِمُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَهُ، وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا حَكَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَهُ، أَنْ يَكْتُبَ اسْتِخْلَافَ أَبِي بَكْرٍ. ثُمَّ ترك كتبته اعْتِمَادًا عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ تَقْدِيرِ اللهِ تَعَالَى، ذَلِكَ كَمَا هَمَّ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ حِينَ قال: وا رأساه، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَكْتُبَ، وَقَالَ: يَأْبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ نَبَّهَ أُمَّتَهُ عَلَى خِلَافَتِهِ، بِاسْتِخْلَافِهِ إِيَّاهُ فِي الصَّلَاةِ حِينَ عَجَزَ عَنْ حُضُورِهَا، وَإِنْ كَانَ المراد به[ (٩) ] أخرجه البخاري في: ٦٤- كتاب المغازي (٨٣) باب مرض رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَفَاتِهِ، الحديث (٤٤٣٢) فتح الباري (٨: ١٣٢) .وأخرجه مسلم في: ٢٥- كتاب الوصية، (٥) باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، الحديث (٢٢) ، ص (٣: ١٢٥٩) .[ (١٠) ] من الآية الكريمة (٦٧) من سورة المائدة.

Volume: 7 (Page:185)

English:

Arabic:

رَفْعُ الْخِلَافِ فِي الدِّينِ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلِمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَكْمَلَ دِينَهُ بِقَوْلِهِ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..) [ (١١) ] وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا تَحْدُثُ وَاقِعَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا وَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُهَا نَصًّا أَوْ دَلَالَةً.وَفِي نَصِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، مَعَ شِدَّةِ وَعْكِهِ، مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ، فَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ نَصًا، أَوْ دَلَالَةً، تَخْفِيفًا عَلَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِكَيْ لَا تَزُولَ فَضِيلَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ فِي الِاسْتِنْبَاطِ، وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ، بِمَا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَيْهِ. وَفِيمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [إذا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ، فَلَهُ أجران. وإذا اجتهد فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ] [ (١٢) ] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ بَيَانَ بَعْضِ الْأَحْكَامِ إِلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّهُ أَحْرَزَ مَنْ أَصَابَ مِنْهُمُ الْأَجْرَيْنِ الْمَوْعُودَيْنِ، أَحَدُهُمَا بِالِاجْتِهَادِ، وَالْآخَرُ بِإِصَابَةِ الْعَيْنِ الْمَطْلُوبَةِ بِمَا عَلَيْهَا مِنَ الدَّلَالَةِ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، وَإِنَّهُ أَحْرَزَ مَنِ اجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ أَجْرًا وَاحِدًا بِاجْتِهَادِهِ، وَرَفَعَ إِثْمَ الْخَطَأِ عَنْهُ، وَذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَمْ يَأْتِ بَيَانُهَا نَصًا، وَإِنَّمَا وَرَدَ خَفِيًّا.فَأَمَّا مَسَائِلُ الْأُصُولِ، فَقَدْ وَرَدَ بَيَانُهَا جَلِيًّا، فَلَا عُذْرَ لِمَنْ خَالَفَ بَيَانَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ فَضِيلَةِ الْعُلَمَاءِ بِالِاجْتِهَادِ، وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ بِالدَّلَالَةِ، مَعَ طَلَبِ التَّخْفِيفِ عَلَى صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، وَفِي ترك رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ فِيمَا قَالَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى اسْتِصْوَابِهِ رَأْيَهُ، وبالله التوفيق.[ (١١) ] الآية الكريمة (٣) من سورة المائدة.[ (١٢) ] أخرجه البخاري في: ٩٦- كتاب الاعتصام بالسنة (٢١) باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو اخطأ، الحديث (٧٣٥٢) فتح الباري (١٣: ٣١٨) .وأخرجه مسلم في: ٣٠- كتاب الأقفية (٦) باب بيان اجر الحاكم إذا اجتهد، الحديث (١٥) ، ص (٣: ١٣٤٢) وغيرهما.

Vols: Intro, 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7

Chapters